من حق أي شاب وفتاة أن يرتبطا برباط الزواج المقدس، طالما وجدا بينهما التوافق الفكري والثقافي والإجتماعي والأهم التوافق الوجداني .. إلا أن عاملا واحدا يقف كحجر عثرة في طريق سعادتهما المنشودة ويصدر الحكم بالإعدام على هذه الزيجة قبل أن تبدأ وهو أن تكون زوجة المستقبل أكبر سنا من الخاطب ولو بشهور قليلة، فيتحولان إلى متهمين يدافعان عن حقهما الذي كفله لهما الدين، وحرمهما منه العرف والتقاليد اللذان يكون لهما الغلبة في معظم الأحيان وينتهي الأمر بالفراق المحتوم.
أهو قصور في الوعي الديني، أم الخوف من كلام الناس، أم جهل الطرفين بمشاعرهما وعدم القدرة على تحديدها؟ وما هو الأفضل أن تتزوج فتاة في الثلاثينات بشخص تكبره بسنوات قليلة وبينهما التفاهم المطلوب، أم تتزوج بشخص يكبرها لا تربطهما مشاعر لمجرد تكوين أسرة قد يكون مصيرها الفشل؟
توافق وتفاهم
جاءتني كلماتها عبر الهاتف بعد سنوات من الفراق هي الفترة التي مرت على تخرجنا من الجامعة: أريد أن أتحدث معك.. بدا واضحا أن صوتها مجهدا قلقا.. أعرفها منذ أن كنا معا في المدرسة الثانوية.. رومانسية ومع ذلك تحتكم إلى عقلها في توازن من النادر وجوده.. لذا عرفت من ارتباكها أنها تواجه مشكلة كبيرة، فقد تقدم لها شخص ممتاز كما تصفه فهو مهندس ناجح وله مكتبه الخاص، على خلق ودين ومن أسرة طيبة، ومع ذلك ترفضه عائلتها في إصرار غريب لا يتفق ومواصفاته.
استنتجت بالطبع أنه يروقها وإلا ما احتاجت لمشورتي، قلت لها أنها طالما تتمسك به فعليها إقناع أسرتها بكل الطرق الممكنة خاصة أنه لا يعيبه شيء، وهنا صمتت صديقتي فعلمت على الفور أن هناك شيئا لم تذكره وسألتها سؤالا عاديا عن عمر العريس فوجدتها مترددة فى الإجابة، وبعد برهة قالت أنه أصغر منها.. فقلت لها ليست مشكلة وذكرت لها زيجات ناجحة كثيرة والزوج يصغر الزوجة بأعوام وصلت في بعض الحالات لخمس سنوات، ولكنها قاطعتني: لا هو أصغر بكثير.. فسألتها مرة أخرى فقالت لى أنه يصغرها بثمان سنوات كاملة.. ألجمتني المفاجأة وقلت لها أن هذا فارقا كبيرا فحكت لى عن صراعها مع نفسها طوال عامين، ومحاولتها لرفضه فى البداية ولكنه يعاود التقدم إليها فتزداد قناعة بصدقه.. احترت في الرد عليها وعندما أجبتها بأنه فارقا كبيرا وربما أدى إلى فشل الزواج وأن أسرتها محقة في رفضها له، ردت في حزن أعرف أن هناك الكثير من الصعوبات التى تنتظرنا وربما يصل الأمر إلى مقاطعة الأهل، ولكني أرى سعادتي معه فلماذا نحكم على التجربة مسبقا بالفشل؟ وختمت مكالمتها وخيبة الأمل بادية على صوتها: كنت آمل أن يكون لجيلنا رأي آخر!
مخاوف وندم
وعلى العكس من صديقتي الواثقة من اختيارها .. نجد "مها" تعلن ندمها على الارتباط بخطيبها رغم أن فارق العمر بينها وبينه لا يتجاوز العامين.. تقول: في بادئ الأمر تمت موافقتي عليه رغم علمي بالفارق العمري، إلا أنني بمرور الوقت بدأت أعاني كثيرا من هذا الأمر، فكلما تحدث أحد في حضوره عن السن انتابني شعور بالخوف والهلع مخافة أن يسألني أحد عن عمر خطيبي، أيضا أشعر بخجل شديد عندما أخرج معه لإحساسي بأن كل الناس تلاحظ الفارق العمري بيننا، فشكله يوحي بأنه صغير، وما زاد الأمر سوءا أن أخواتي يعايرنني بعمره عند حدوث أي مشادة كلاميه بيننا، فصار الأمر بالنسبة لي كالكابوس حتى أصبحت أتمنى لو أنني خطبت لمن هو أكبر مني سنا،علما بأن خطيبي متقبل الأمر ولا يذكرني بذلك الفارق وكأن الأمر طبيعي، إلا أن المشكلة تكمن في أنا وأخاف أن تستمر هذه المخاوف بعد الزواج وتسبب الكثير من المشكلات مع زوجي قد تصل يوما بنا إلى الطلاق.
مواجهة وتحدي
أما " هويدا " فقد وافقت على الخطبة لجارها "عمر"، علما بأنها تكبره بأربع سنوات إلا أن العكس هو الظاهر فهي تحافظ على مظهرها وتبدو أصغر من سنها الحقيقي، ولا يساورها شك أنها من الممكن أن تجد شخصا آخر يفهمها ويدرك إقبالها على الحياة وعشقها للمفاجآت والسفر ورغبتها في العمل كما فعل عمر، لذلك فهي على استعداد لمواجهة المجتمع بأسره دفاعا عن هذا الارتباط، خاصة وأنها متاكدة أن مشاعر خطيبها تجاهها مشاعر حقيقية.
كذلك فعل " طارق" الطبيب الناجح عندما تقدم لخطبة "سعاد" الأستاذة الجامعية التي تكبره بسبع سنوات، متحديا كل من حوله، فكما يراها هي من تستطع تفهم ظروف عمله وانشغاله المستمر، كما أنها ستشجعه على النجاح، أما الفتيات الأصغر منه سنا فتتذمرن من فترات وجوده خارج المنزل، بل وتغرن عليه بلا تقدير للمسؤلية.
سألته: وهل زوجة تكبرك بسبع سنوات لن تغار عليك؟! فأجاب بلا تردد: أول ماجذبني " لسعاد " ثقتها بنفسها ورجاحة عقلها، ثم وبكل بساطة إذا كنت سأنظر لفتاة أخرى فما الذي منعني حاليا من الارتباط بإحداهن وأنا والحمد لله ميسور ماديا، ثم إن فارق السن بيننا غير واضح بالمرة.
الإحصائيات تتكلم
مشاعر وخبرات الحب عابرة للأزمنة والجنسيات فهي خاضعة للتكافؤ العاطفي والفكري والخبرة، كما يرى د. محسن خضر ،رئيس الجمعية العربية للإصلاح التربوي، إلا أن هناك اعتبارات ترفض ذلك اعتمادا على مقاييس وضعناها نحن البشر، وربما تكون الزوجة أكبر من زوجها لكنها تقدم له من المودة والمؤازرة ما لا تستطيع أخرى تقديمه له، فالمهم هوالتدين والتكافؤ والنضج الفكري الذي يحمي هذا الزواج .
ويتابع خضر: إذا أجرينا إحصائية على نسب الفشل في الزواج نجد أن غالبية الحالات يكون الرجل فيها هو الأكبر سنا، ويعود هذا لثقافة بلداننا العربية الذكورية التي تضع الفتيات في قنينات ولا تقبل بأن يتزوج الرجل بمن هي أكبر منه سنا، لأن الزوجة في نظرهم يجب أن تكون أقل من الزوج في كل شىء حتى لا تنظر له نظرة تعالي سواء في التفكيرأو الماديات .
ويأتي رد د. هبة قطب ،دكتوراه في الطب الجنسي والعلاقات الزوجية، جازما فمن وجهة نظرها لا توجد مشكلة إطلاقا مادام الزوجان في نفس المرحلة السنية، وأربع أو خمس سنوات لصالح الزوجة لن يضير العلاقة الحميمة بين الزوجين، بشرط مراعاة الحالة الثقافية للطرفين، والخلفية العائلية فكما يقال " الست بتتجوز بالعيلة " ، وعدم الإستنكار من كلا الأسرتين، والأهم من كل هذا أن يقف كل منهما وقفة جادة مع ذاته متسائلا هل سيأتي اليوم وأنظر لها على أنها قضت على شبابي؟ أو أن تقول أنا أكبر منه سنا وبالتالي فأنا بالتأكيد أكثر منه فهما، كما حدث مع خالد وسما.
أنت سيد قرارك
وفي نفس السياق، يرى محمد زكريا ،مدرب تنمية بشرية، أن كبر سن المرأة قد يكون عامل مساعد لنجاح الزواج نظرا لاكتمال عقلها قبل الرجل، وأن الله هيأها للزواج فى سن مبكرة، ومنحها عاطفة جياشة تفوق عاطفة الرجل وهذا قد يساعد فى احتواء المشاكل بطرق أفضل.
ويؤكد أن السن عامل ثانوى فهناك الفتاة الصغيرة وتظهر كأنها أكبر من سنها بكثير، وأخرى كبيره في السن وتظهر كفتاه تقضى أحلى فترات عمرها، فالأمر كما يذكر يتعلق على الشخصية ذاتها وكيف ترى نفسها، فإذا رأت الفتاة نفسها شابه سيراها الجميع كذالك، وإن رأت نفسها عجوزا ستظهر كذلك ولن يقترب منها الآخرون.
وعن الخلط بين الحب والإعجاب الذي يمكن أن يقع فيه الطرفان في هذه الحالة يقول: يستطيع الطرفان التمييز بين الإعجاب من الحب بسهولة، فالإعجاب مرحله أولى للحب ويمكن وجود عدة أشخاص يكونوا محط إعجاب أحد الطرفين يعجب بهم جميعا ويرى إيجابيات لكل منهم، أما الحب الحقيقي فهو لشخص واحد يتزايد مع الأيام، وكلا الطرفين يعرف مزايا وعيوب الآخر ويوافق عليها ويتكيف معها مما يزيد من عوامل الترابط بينهما.
ويختم زكريا كلامه قائلا: يسير المجتمع فى خط مستقيم ومن يحيد عنه يكون منحرفا عن العادات، ولكن لنا فى رسول الله قدوة حسنه، وبعد إتخاذ القرار عليك تحمل المسئولية، والإستمتاع بحياتك مع من تحب فأنت سيد قرارك .
التكافؤ أو الفسخ
ويؤكد د.عبد المعطي بيومي ،عميد أصول الدين الأسبق وعضو مجلس البحوث،على أن الزواج رغبة مشتركة بين طرفين، ولا يجوز للأهل التدخل بالمنع، ولا يوجد دليل شرعي ينص على أن الزوج يجب أن يكون أكبر من زوجته، أما جعله من شروط وأصول الزواج ففيه تحريم لما أحله الله، وهو إثم كبير لقوله تعالى: ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام )، و إذا قاطع أي من الأسرتين أبناءهما فقد وقع في ذنبين: الأول تحريم ما أحل الله، والثاني قطيعة الرحم .
ومن هنا يتوجب على الطرفين ماداما متيقنين من حسن اختيارهما، وهذا الاختيار قائم على قواعد إسلامية وليس على أهواء أو نزوات كما يحدث مع البعض، أن يتوكلا على الله ولا يسمعا لأي أقاويل أو آراء تتعارض مع اختيارهما، ويتعاونا على تكوين أسرة مسلمة صحيحة، وألايضعا فارق السن في الحسبان أو كعامل من عوامل الخلافات الأسرية الطبيعية التي قد تحدث بين أي زوجين.
ويعارضه في الرأي د. محمد وهدان ،أستاذ قسم الإعلام الإسلامي بجامعة الأزهر، الذي يرى ضرورة وجود تكافؤ بين الزوجين سواء في السن أو العقل والفهم والعلم لتستقر بهما الحياة، ويذكر أن الفقهاء أكدوا على أن الفتاة إذا تزوجت بشخص لايكافئها فلولي الأمر حق فسخ العقد، لذا ونظرا لإختلاف البيئة والظروف عن زمن الرسول فلابد وأن يكون الرجل هو الأكبر سنا ولكن بحدود، وإن حدث وكانت المرأة هي الأكبر فلا يتجاوز ذلك العام أو العامين